إقامة الحجة على الحبشي (2)
جاء موعد المناظرة . . .
يقول ابن تيمية : فلما حضرت ، وجدت الناس في غاية الشوق إلى هذا الاجتماع ، طالبين الاطلاع . .
فذكروا - اي الرفاعية - لنائب السلطان وغيره من الأمراء بعض الاقوال المشتملة على الافتراء - دائما هذا ديدنهم الافتراء والاكاذيب -
وقال - اي الامير - : انهم قالوا : انك طلبت منهم الانتحال ، وان يلقوا انفسهم في النار ! قلت : هذا من البهتان . .
قلت للأمير : نحن لا نستحل ان نأمر أحد ان يدخل نارا ، ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النار وفي ذلك الحديث الصحيح - وذكر الحديث ...- . هؤلاء قوم يكذبون في ذلك ، وهم كذابون مبتدعون قد افسدوا من امر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم - وذكر تلبيساتهم على طوائف من الامراء ، وانهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيوتهم الباطنية ، ثم يخبرونهم بها مكاشفة ! على اساس انهم يعرفون الغيب -
يقول ابن تيمية رحمه الله : ذكرت للامير انهم مبتدعون ، بانواع من البدع ، وان بدعهم خارجة عن الشريعة ، وذكرت له حديث العرباض بن سارية في نهيه عن البدع - ... -
يقول رحمه الله : انا ما امتحنت هؤلاء ، لكن هم يزعمون ان لهم احوال يدخلون بها النار ! وان اهل الشريعة لا يقدرون على ذلك ، ويقولون : ان هذه الاحوال التي يعجز عنها أهل الشرع ليس لهم ان يعترضوا عليها ، بل يسلم إلينا ما نحن عليه سواء وافق الشرع او خالفه ! .
وانا استخرت الله سبحانه ، انهم ان دخلوا النار ، ادخل انا وهم ، ومن احترق منا ومنهم فعليه لعنة الله ، وكان مغلوبا، وذلك بعد ان نغسل جسومنا بالخل والماء الحار . قال الأمير : ولماذا ؟! . قلت : لانهم يدهنون جسومهم بادوية يصنعونها من دهن الضفادع وقشر النارنج وغير ذلك مما هو معروف لهم ، وانا لا ادهن جسمي بشيء ، فإذا اغتسلت انا وهم بالخل والماء الحار ، بطلت الحيلة وظهر الحق .
قال رحمه الله : فاستعظم الأمير هجومي على النار ، وقال : أتفعل هذا ؟! . قلت : نعم ، قد استخرت الله في ذلك ، والقى في قلبي ان افعله ، ونحن لا نرى هذا وامثاله ابتداء ، فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد المتبعين له باطنا وظاهرا .
يقول : وجب علينا ان ننصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونقوم بنصر دين الله وشريعته بما نقدر عليه من أرواحنا وجسومنا وأموالنا - رحمك الله يا ابن تيمية -
فجعل الأمير يخاطب من حضره من الأمراء بهذه القضية ، وتكلم مع نائب الأمير ، قال له : اليوم ترى حرب عظيمة .
ثم حضر شيوخهم الاكابر ، وجعلوا يطلبون من الأمير الاصلاح وانهاء هذه القضية ! - مثل الشياطين ، تشد عليها تخنس -
فقال الأمير : إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق .
قال : فقمنا إلى الأمير ، وجاءوا هؤلاء الرفاعية ، وهم جماعة كثيرون وقد أظهروا أحوالهم الشيطانية من حركة الرؤوس والاعضاء ، والقفز والحبو والتقلب ونحو ذلك من الأصوات المنكرات والحركات الخارجة عن العادات ، المخالفة لما أمر به لقمان لابنه في قوله : { واقصد في مشيك واغضض من صوتك } .
فلما جلسنا وقد حظر خلق عظيم من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء والعامة وغيرهم ، وحضر شيخهم الأول المشتكي ، وشيخ اخر سمى نفسه خليفة سيده أحمد - انظروا ماذا قال ابن تيمية : سيده أحمد - ومركز على رأسه بعلمين ، علم القطبية وعلم الغوثية !
قال ابن تيمية : وهم يسمونه عبد الله الكذاب !
ثم تكلموا بكلام مضمونه انهم يطلبون الصفح والعفو من ابن تيمية عن الماضي والتوبة ، وانهم مجيبون إلى ما طلب من ترك هذه البدع ، ثم استدل شيخهم على حالهم ببعض الإسرائيليات .
قال ابن تيمية : فقلت : اما التوبة فمقبولة ، يقول الله { غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب } ، وقال { نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم } .
وقلت لهم - اي ابن تيمية - : ليس لنا ان نعتقد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عمر بن الخطاب بعض كتب اليهود ، فقال : ( امتهودون يا ابن الخطاب !؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ) .
وذكر - ابن تيمية - ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع اصحابه من كتب أهل الكتاب ، فقال : ( كفى بقوم ضلالة ان يتبعوا كتابا غير كتابهم ، انزل إلى نبي غير نبيهم ) ، وانزل الله عز وجل { اولم يكفيهم انا انزلنا عليك كتابا يتلى عليهم } .
قال : فنحن لا يجوز لنا اتباع موسى ولا عيسى فيما علمنا انه انزل عليهما من عند الله ، إذا خالف شرعنا ، وإنما علينا ان نتبع ما انزل علينا من ربنا ، ونتبع الشرعة والمنهاج الذي بعث الله به رسولنا ، كما قال تعالى :{ وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } ، فكيف يجوز لنا اتباع عباد بني اسرائيل { تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون } .
قال : ليس لاحد الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله .
يقول رحمه الله : قال شيخهم - ورفع صوته - : نحن لنا احوال كذا وكذا ، وادعى احوال كالدخول في النار وغيرها ، وانهم يستحقون تسليم الحال لاجلها !
فقلت ورفعت صوتي : انا اخاطب كل أحمدي - يعني رفاعي - أي شيء تفعلوه بالنار ، فانا اصنع مثل ما تصنعون ، لكن بعد ان نغسل جسومنا بالخل والماء الحار ! فاخذ - شيخهم - يظهر القدرة على ذلك ، وقال : انا وانت نقوم بعد ان نغسل جسومنا بالكبريت - حتى يشتعل بقوة - .
فقلت له : قم ، واخذت اكرر عليه ، قم ! فقلت له : حتى نغتسل ، فاظهر الوهم كعادته ، وقال : من كان يحب الامير فليحضر حزمة حطب .
فقلت : بل قنديل ، ادخل اصبعي واصبعك فيه بعد الغسل ، ومن احترق اصبعه فعليه لعنة الله .
فلما قلت ذلك ، تغير وذل واصفر وجهه .
قال رحمه الله : قلت ، ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة ، ولو طرتم في الهواء ومشيتم على الماء ، ولو فعلتم وفعلتم ، لم يكن في ذلك ما يدل على ما تدعونه من مخالفة الشرع ولا على ابطال الشرع ، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء امطري فتمطر ، وللأرض انبتي فتنبت ، وللخربة اخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه ، ويقتل الرجل ثم يمشي بين شقيه ثم يقول له قوم فيقوم ، ومع هذا هو دجال كذاب ملعون لعنه الله . ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب .
وذكرت له قول ابو يزيد البسطامي : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الاوامر والنواهي ، وذكرت قول الشافعي : اتدري ماذا يقول صاحبنا - يعني الليث بن سعيد - لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به .
وتكلمت في هذا ونحوه ، ومشايخهم الكبار يتضرعون عند الأمير لطلب الصلح ، والناس يطوفون في الميدان ويقولون { فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون وغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين } .
بعد ذلك طلبوا التوبة عما مضى ، فقال الأمير لابن تيمية : ما تطلب منهم ؟ قال رحمه الله : متابعة الكتاب والسنة وألا يتعقد أنه لا يجب عليهم اتباعه ، لا يجوز لاحد الخروج عن الكتاب والسنة ، والذي يوجب الكفر ، وقد يوجب قتال الطائفة الممتنعة دون الواحد المقدور عليه .
قالوا : نحن ملتزمون بالكتاب والسنة !
قال الأمير : فأي شيء الذي يلزمهم من الكتاب والسنة ؟
قلت - اي ابن تيمية - : حكم الله والسنة كثير ، ولكن المقصود ان يلتزموا هذا التزاما عاما ، ومن خرج عنه ضربت عنقه ، ومن ذلك الصلاة في مواقيتها كما أمر الله ورسوله ، فإن من هؤلاء من لا يصلي ، ومنهم من يتكلم في صلاته ، حتى انه بالامس لما اشتكوا علي ، جعل بعضهم يقول في الصلاة : يا سيدي أحمد شيء لله !
قال رحمه الله : جاءوا إلي هؤلاء الناس - يقصد الرفاعية - واخذوا يردون ، واخذوا يصيحون ، قالوا : فبأي شيء ترد الأحوال التي تأتينا هذه - الجنون الذي يصيبهم - ؟ قال ابن تيمية : بهذه السياط الشرعية .
فاعجب الأمير وضحك ، وقال : اي والله بالسياط الشرعية تخبوا هذه الأحوال الشيطانية ، ومن لا يرجع إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية .
ونحن نقول إن الشياطين في عقول هؤلاء الأحباش تذهب بالسياط الشرعية ، ومن لم تذهبه السياط الشرعية ، تذهبه السيوف المحمدية بإذن الله تعالى .
ثم أخذ بعض هؤلاء الرفاعية يقول : اليهود والنصارى يقرون على ماهم عليه ونحن لا نقر ؟!
فقال ابن تيمية : اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم رغم فجورهم ، والمبتدع لا يقر على بدعته .
وافحموا عند ذلك ، وكان نصرا عظيما للشيخ ابن تيمية رحمه الله . . .
ثم قال لهم بأعلى صوته : أنا كافر بكم ، وباحوالكم ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون .
ونحن نقولها ايضا : اننا كافرون جميعا بهذه العقيدة ، فكيدونا جميعا ثم لا تنظرون ، والله أكبر ، والله المستعان .
ها نحن قد وعينا السر الدفين في العداء بين هؤلاء وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
أما ما يدعونه على شيخ الإسلام ، فتلك نقطة سنجعلها في اخر الكلام . . .
ثالثا : قضية الحاكمية وموقهم من الحكام - المرتدين - : في مقال لهم - ومقالاتهم كثيرة نظرا للامكانيات التي تأتيهم من هنا وهناك - العنوان الرئيسي لهذا المقال : (( نعم للقائد الأسد محقق السلام في ربوع لبنان . . . بيعة مخلصة وولاء كامل للقائد الاسد . . . حبيب الشعب العادل وبطل مؤتمر مدريد ! )) .
واقتطع بعض المقاطع من المقال : (( نعم لسورية الأسد التي قدمت للبنان واللبنانيين الكثير بالوقوف إلى جانبهم في كافة المحن ، نعم لقائد عرفناه ابا كبيرا لكل اللبنانيين وقائدا رمزا للأمة العربية ، نعم لمن اعاد الابتسامة لاطفال لبنان ! ، نعم للرئيس الاسد ، نعم لقيادة عززت مكانة العرب ، نعم للسيد - سيدهم هم - الرئيس حافظ الاسد ، نعم للسياسة التي حققت نجاحات واضحة على مختلف المحاور ، نعم للسياسة التي وضعت كافة امكانياتها في خدمة المصالح القومية للامة العربية وزيادة التعاون بين الاقطار العربية لتحقيق وحدتها وحريتها ! ان الشعب يقول نعم لقائد كان الاسبق والاحرص على مصالح الشعب ، يعمل حين يرتاح الشعب ، يتحدى ويتصدى ويناضل ويدعو الشعب للتصدي والتحدي والنضال معه ، كل هذا من اجل الشعب ومصالحه وامنه وكرامته ومن اجل مصلحة الامة العربية ورسالتها ، نعم لقائد مواقفه دروس نضالية ، نعم لقائد لا يصارعه شعبه بل يصارع به ومعه وعنه ، نعم لبحر من الطاقات والقدرات ، بحر من الاخلاق العالية والسجايا ، مدرسة في الفكر والانتماء !! )) - اي والله هكذا يحكي -
ثم يخاطب الأسد : (( يا حبيب الشعب العادل ، يا امل جماهير الامة ، لقد وعدت ووفيت بكل ما وعدت ، اعطيت وما توقف عطائك ، بنيت وما توقف بنائك ، بدأت مع الأمة العربية وبقيت معها ولها ، وقد جابهت الصعاب دون وجل ، واستمريت في التحدي دون كلل ، لقد صمدت في سبيل الله وانتصرت واستمرت انتصاراتك . نعم لبطل الحرب والسلام ، نعم لذو الموقف الريادي الذي نال تقدير العالم اجمع ، نعم للانجازات الحضارية واتخاذ القرار الصعب للدفاع عن المقدسات . نعم تعني الثقة بنهج القائد ، واستمرار دور سورية القيادي وتعزيز مسيرة امتنا العربية وطنيا وقوميا ودوليا ، انتم الاقرب إلى جماهير الامة ومعاناتها ، تتطلع إليكم العيون وتهفوا إليكم الافئدة ، فعندكم العدل والانصاف ، وعندكم القول والفصل ، وعندكم مصلحة الجماهير العربية فوق كل مصلحة ! )).
ليس فقط حافظ الاسد ، ايضا إلياس الهراوي ، في مجلتهم عدد 14 كانون الاول 1993 يقول نزار الحلبي : (( سيادة الرئيس ان رعايتكم للخط العربي اكسب لبنان منعة وقوة وشوكة ، لم يكن ينعم بها ويعرف بها معنى الاستقلا لولاكم - لولا الكلب لدخل النار ! - كما ان مواقفكم الجريئة والتنسيق الكامل مع الشقيقة سورية - هذا هو بيت القصيد - جعل للبنان مكانته وموقعه في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة العربية . . . عشتم وعاش لبنان / رئيس الجمعية نزار الحلبي )) .
هذا موقفهم من الحكام - الكفرة والمرتدين - ، اما ماذا يقولون عن من يقولون قولة الحق في قضية الحاكمية فسنرى بعد قليل .
ان من توحيد الله عز وجل ، ان يكون له وحده حق الحكم والتشريع . .
يقول عز وجل : { ولا يشرك في حكمه احدا } وفي قراءة { ولا تشرك في حكمه احدا } ، يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله : (( لا يشرك الله عز وجل احدا في حكمه ، بل الحكم له وحده جل وعلا ، ولا حكم لغيره ، فالحلال ما احله الله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه والقضاء ما قضاه )) .
وقال رحمه الله : (( اي لا تشرك يا نبي الله ، ولا تشرك ايها المخاطب احدا في حكم الله جل وعلا )) .
يقول الله تعالى : { ان الحكم إلا لله امر ألا تعبدوا إلا اياه } .
ويقول : { ان الحكم إلا لله عليه توكلت } .
ويقول : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } .
ويقول : { ذلك بانه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير } .
ويقول : { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } .
ويقول : { افغير الله ابتغي حكما وهو الذي إليكم الكتاب مفصلا } .
ويقول تعالى : { افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون }.
ولا يجتمع إيمان بالله وتحاكم إلى غيره ، يقول عز وجل : { ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ، ويقول : { الم تر إلى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا } .
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسير هذه الآية : (( وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الامر لعدي ابن حاتم لما سئله عم قوله تعالى { اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله } انهم احلوا لهم ما حرم الله وحرموا عليهم ما احل الله فاتبعوهم في ذلك ، وان ذلك هو اتخاذهم اربابا )) .
ويقول في موضع اخر - رحمه الله - في اضواء البيان : (( اشار إلى انه لا يؤمن احد حتى يكفر بالطاغوت ، لقوله { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } ، ومفهوم الشرع ان من لم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعروة الوثقى ، فهو بمعزل عن الإيمان ، لان الإيمان بالله هو العروة الوثقى ، والإيمان بالطاغوت يستحيل اجتماعه مع الإيمان بالله أو ركن منه ، هذا هو صريح قوله تعالى { فمن يكفر بالطاغوت } . . )) .
يقول ابن القيم رحمه الله : (( ثم اخبر سبحانه ان من تحاكم او حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه ، والطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود او متبوع او مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله تعالى ورسوله ، او يعبدونه من دون الله ، او يتبعونه على غير بصيرة من الله )) . ( اهلام الموقعين الجزء الاول ) .
جاء موعد المناظرة . . .
يقول ابن تيمية : فلما حضرت ، وجدت الناس في غاية الشوق إلى هذا الاجتماع ، طالبين الاطلاع . .
فذكروا - اي الرفاعية - لنائب السلطان وغيره من الأمراء بعض الاقوال المشتملة على الافتراء - دائما هذا ديدنهم الافتراء والاكاذيب -
وقال - اي الامير - : انهم قالوا : انك طلبت منهم الانتحال ، وان يلقوا انفسهم في النار ! قلت : هذا من البهتان . .
قلت للأمير : نحن لا نستحل ان نأمر أحد ان يدخل نارا ، ولا تجوز طاعة من يأمر بدخول النار وفي ذلك الحديث الصحيح - وذكر الحديث ...- . هؤلاء قوم يكذبون في ذلك ، وهم كذابون مبتدعون قد افسدوا من امر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم - وذكر تلبيساتهم على طوائف من الامراء ، وانهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيوتهم الباطنية ، ثم يخبرونهم بها مكاشفة ! على اساس انهم يعرفون الغيب -
يقول ابن تيمية رحمه الله : ذكرت للامير انهم مبتدعون ، بانواع من البدع ، وان بدعهم خارجة عن الشريعة ، وذكرت له حديث العرباض بن سارية في نهيه عن البدع - ... -
يقول رحمه الله : انا ما امتحنت هؤلاء ، لكن هم يزعمون ان لهم احوال يدخلون بها النار ! وان اهل الشريعة لا يقدرون على ذلك ، ويقولون : ان هذه الاحوال التي يعجز عنها أهل الشرع ليس لهم ان يعترضوا عليها ، بل يسلم إلينا ما نحن عليه سواء وافق الشرع او خالفه ! .
وانا استخرت الله سبحانه ، انهم ان دخلوا النار ، ادخل انا وهم ، ومن احترق منا ومنهم فعليه لعنة الله ، وكان مغلوبا، وذلك بعد ان نغسل جسومنا بالخل والماء الحار . قال الأمير : ولماذا ؟! . قلت : لانهم يدهنون جسومهم بادوية يصنعونها من دهن الضفادع وقشر النارنج وغير ذلك مما هو معروف لهم ، وانا لا ادهن جسمي بشيء ، فإذا اغتسلت انا وهم بالخل والماء الحار ، بطلت الحيلة وظهر الحق .
قال رحمه الله : فاستعظم الأمير هجومي على النار ، وقال : أتفعل هذا ؟! . قلت : نعم ، قد استخرت الله في ذلك ، والقى في قلبي ان افعله ، ونحن لا نرى هذا وامثاله ابتداء ، فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد المتبعين له باطنا وظاهرا .
يقول : وجب علينا ان ننصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونقوم بنصر دين الله وشريعته بما نقدر عليه من أرواحنا وجسومنا وأموالنا - رحمك الله يا ابن تيمية -
فجعل الأمير يخاطب من حضره من الأمراء بهذه القضية ، وتكلم مع نائب الأمير ، قال له : اليوم ترى حرب عظيمة .
ثم حضر شيوخهم الاكابر ، وجعلوا يطلبون من الأمير الاصلاح وانهاء هذه القضية ! - مثل الشياطين ، تشد عليها تخنس -
فقال الأمير : إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق .
قال : فقمنا إلى الأمير ، وجاءوا هؤلاء الرفاعية ، وهم جماعة كثيرون وقد أظهروا أحوالهم الشيطانية من حركة الرؤوس والاعضاء ، والقفز والحبو والتقلب ونحو ذلك من الأصوات المنكرات والحركات الخارجة عن العادات ، المخالفة لما أمر به لقمان لابنه في قوله : { واقصد في مشيك واغضض من صوتك } .
فلما جلسنا وقد حظر خلق عظيم من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء والعامة وغيرهم ، وحضر شيخهم الأول المشتكي ، وشيخ اخر سمى نفسه خليفة سيده أحمد - انظروا ماذا قال ابن تيمية : سيده أحمد - ومركز على رأسه بعلمين ، علم القطبية وعلم الغوثية !
قال ابن تيمية : وهم يسمونه عبد الله الكذاب !
ثم تكلموا بكلام مضمونه انهم يطلبون الصفح والعفو من ابن تيمية عن الماضي والتوبة ، وانهم مجيبون إلى ما طلب من ترك هذه البدع ، ثم استدل شيخهم على حالهم ببعض الإسرائيليات .
قال ابن تيمية : فقلت : اما التوبة فمقبولة ، يقول الله { غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب } ، وقال { نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم } .
وقلت لهم - اي ابن تيمية - : ليس لنا ان نعتقد في ديننا بشيء من الإسرائيليات المخالفة لشرعنا ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عمر بن الخطاب بعض كتب اليهود ، فقال : ( امتهودون يا ابن الخطاب !؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ) .
وذكر - ابن تيمية - ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع اصحابه من كتب أهل الكتاب ، فقال : ( كفى بقوم ضلالة ان يتبعوا كتابا غير كتابهم ، انزل إلى نبي غير نبيهم ) ، وانزل الله عز وجل { اولم يكفيهم انا انزلنا عليك كتابا يتلى عليهم } .
قال : فنحن لا يجوز لنا اتباع موسى ولا عيسى فيما علمنا انه انزل عليهما من عند الله ، إذا خالف شرعنا ، وإنما علينا ان نتبع ما انزل علينا من ربنا ، ونتبع الشرعة والمنهاج الذي بعث الله به رسولنا ، كما قال تعالى :{ وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } ، فكيف يجوز لنا اتباع عباد بني اسرائيل { تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون } .
قال : ليس لاحد الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله .
يقول رحمه الله : قال شيخهم - ورفع صوته - : نحن لنا احوال كذا وكذا ، وادعى احوال كالدخول في النار وغيرها ، وانهم يستحقون تسليم الحال لاجلها !
فقلت ورفعت صوتي : انا اخاطب كل أحمدي - يعني رفاعي - أي شيء تفعلوه بالنار ، فانا اصنع مثل ما تصنعون ، لكن بعد ان نغسل جسومنا بالخل والماء الحار ! فاخذ - شيخهم - يظهر القدرة على ذلك ، وقال : انا وانت نقوم بعد ان نغسل جسومنا بالكبريت - حتى يشتعل بقوة - .
فقلت له : قم ، واخذت اكرر عليه ، قم ! فقلت له : حتى نغتسل ، فاظهر الوهم كعادته ، وقال : من كان يحب الامير فليحضر حزمة حطب .
فقلت : بل قنديل ، ادخل اصبعي واصبعك فيه بعد الغسل ، ومن احترق اصبعه فعليه لعنة الله .
فلما قلت ذلك ، تغير وذل واصفر وجهه .
قال رحمه الله : قلت ، ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة ، ولو طرتم في الهواء ومشيتم على الماء ، ولو فعلتم وفعلتم ، لم يكن في ذلك ما يدل على ما تدعونه من مخالفة الشرع ولا على ابطال الشرع ، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء امطري فتمطر ، وللأرض انبتي فتنبت ، وللخربة اخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه ، ويقتل الرجل ثم يمشي بين شقيه ثم يقول له قوم فيقوم ، ومع هذا هو دجال كذاب ملعون لعنه الله . ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب .
وذكرت له قول ابو يزيد البسطامي : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الاوامر والنواهي ، وذكرت قول الشافعي : اتدري ماذا يقول صاحبنا - يعني الليث بن سعيد - لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به .
وتكلمت في هذا ونحوه ، ومشايخهم الكبار يتضرعون عند الأمير لطلب الصلح ، والناس يطوفون في الميدان ويقولون { فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون وغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين } .
بعد ذلك طلبوا التوبة عما مضى ، فقال الأمير لابن تيمية : ما تطلب منهم ؟ قال رحمه الله : متابعة الكتاب والسنة وألا يتعقد أنه لا يجب عليهم اتباعه ، لا يجوز لاحد الخروج عن الكتاب والسنة ، والذي يوجب الكفر ، وقد يوجب قتال الطائفة الممتنعة دون الواحد المقدور عليه .
قالوا : نحن ملتزمون بالكتاب والسنة !
قال الأمير : فأي شيء الذي يلزمهم من الكتاب والسنة ؟
قلت - اي ابن تيمية - : حكم الله والسنة كثير ، ولكن المقصود ان يلتزموا هذا التزاما عاما ، ومن خرج عنه ضربت عنقه ، ومن ذلك الصلاة في مواقيتها كما أمر الله ورسوله ، فإن من هؤلاء من لا يصلي ، ومنهم من يتكلم في صلاته ، حتى انه بالامس لما اشتكوا علي ، جعل بعضهم يقول في الصلاة : يا سيدي أحمد شيء لله !
قال رحمه الله : جاءوا إلي هؤلاء الناس - يقصد الرفاعية - واخذوا يردون ، واخذوا يصيحون ، قالوا : فبأي شيء ترد الأحوال التي تأتينا هذه - الجنون الذي يصيبهم - ؟ قال ابن تيمية : بهذه السياط الشرعية .
فاعجب الأمير وضحك ، وقال : اي والله بالسياط الشرعية تخبوا هذه الأحوال الشيطانية ، ومن لا يرجع إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية .
ونحن نقول إن الشياطين في عقول هؤلاء الأحباش تذهب بالسياط الشرعية ، ومن لم تذهبه السياط الشرعية ، تذهبه السيوف المحمدية بإذن الله تعالى .
ثم أخذ بعض هؤلاء الرفاعية يقول : اليهود والنصارى يقرون على ماهم عليه ونحن لا نقر ؟!
فقال ابن تيمية : اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم رغم فجورهم ، والمبتدع لا يقر على بدعته .
وافحموا عند ذلك ، وكان نصرا عظيما للشيخ ابن تيمية رحمه الله . . .
ثم قال لهم بأعلى صوته : أنا كافر بكم ، وباحوالكم ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون .
ونحن نقولها ايضا : اننا كافرون جميعا بهذه العقيدة ، فكيدونا جميعا ثم لا تنظرون ، والله أكبر ، والله المستعان .
ها نحن قد وعينا السر الدفين في العداء بين هؤلاء وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
أما ما يدعونه على شيخ الإسلام ، فتلك نقطة سنجعلها في اخر الكلام . . .
ثالثا : قضية الحاكمية وموقهم من الحكام - المرتدين - : في مقال لهم - ومقالاتهم كثيرة نظرا للامكانيات التي تأتيهم من هنا وهناك - العنوان الرئيسي لهذا المقال : (( نعم للقائد الأسد محقق السلام في ربوع لبنان . . . بيعة مخلصة وولاء كامل للقائد الاسد . . . حبيب الشعب العادل وبطل مؤتمر مدريد ! )) .
واقتطع بعض المقاطع من المقال : (( نعم لسورية الأسد التي قدمت للبنان واللبنانيين الكثير بالوقوف إلى جانبهم في كافة المحن ، نعم لقائد عرفناه ابا كبيرا لكل اللبنانيين وقائدا رمزا للأمة العربية ، نعم لمن اعاد الابتسامة لاطفال لبنان ! ، نعم للرئيس الاسد ، نعم لقيادة عززت مكانة العرب ، نعم للسيد - سيدهم هم - الرئيس حافظ الاسد ، نعم للسياسة التي حققت نجاحات واضحة على مختلف المحاور ، نعم للسياسة التي وضعت كافة امكانياتها في خدمة المصالح القومية للامة العربية وزيادة التعاون بين الاقطار العربية لتحقيق وحدتها وحريتها ! ان الشعب يقول نعم لقائد كان الاسبق والاحرص على مصالح الشعب ، يعمل حين يرتاح الشعب ، يتحدى ويتصدى ويناضل ويدعو الشعب للتصدي والتحدي والنضال معه ، كل هذا من اجل الشعب ومصالحه وامنه وكرامته ومن اجل مصلحة الامة العربية ورسالتها ، نعم لقائد مواقفه دروس نضالية ، نعم لقائد لا يصارعه شعبه بل يصارع به ومعه وعنه ، نعم لبحر من الطاقات والقدرات ، بحر من الاخلاق العالية والسجايا ، مدرسة في الفكر والانتماء !! )) - اي والله هكذا يحكي -
ثم يخاطب الأسد : (( يا حبيب الشعب العادل ، يا امل جماهير الامة ، لقد وعدت ووفيت بكل ما وعدت ، اعطيت وما توقف عطائك ، بنيت وما توقف بنائك ، بدأت مع الأمة العربية وبقيت معها ولها ، وقد جابهت الصعاب دون وجل ، واستمريت في التحدي دون كلل ، لقد صمدت في سبيل الله وانتصرت واستمرت انتصاراتك . نعم لبطل الحرب والسلام ، نعم لذو الموقف الريادي الذي نال تقدير العالم اجمع ، نعم للانجازات الحضارية واتخاذ القرار الصعب للدفاع عن المقدسات . نعم تعني الثقة بنهج القائد ، واستمرار دور سورية القيادي وتعزيز مسيرة امتنا العربية وطنيا وقوميا ودوليا ، انتم الاقرب إلى جماهير الامة ومعاناتها ، تتطلع إليكم العيون وتهفوا إليكم الافئدة ، فعندكم العدل والانصاف ، وعندكم القول والفصل ، وعندكم مصلحة الجماهير العربية فوق كل مصلحة ! )).
ليس فقط حافظ الاسد ، ايضا إلياس الهراوي ، في مجلتهم عدد 14 كانون الاول 1993 يقول نزار الحلبي : (( سيادة الرئيس ان رعايتكم للخط العربي اكسب لبنان منعة وقوة وشوكة ، لم يكن ينعم بها ويعرف بها معنى الاستقلا لولاكم - لولا الكلب لدخل النار ! - كما ان مواقفكم الجريئة والتنسيق الكامل مع الشقيقة سورية - هذا هو بيت القصيد - جعل للبنان مكانته وموقعه في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة العربية . . . عشتم وعاش لبنان / رئيس الجمعية نزار الحلبي )) .
هذا موقفهم من الحكام - الكفرة والمرتدين - ، اما ماذا يقولون عن من يقولون قولة الحق في قضية الحاكمية فسنرى بعد قليل .
ان من توحيد الله عز وجل ، ان يكون له وحده حق الحكم والتشريع . .
يقول عز وجل : { ولا يشرك في حكمه احدا } وفي قراءة { ولا تشرك في حكمه احدا } ، يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله : (( لا يشرك الله عز وجل احدا في حكمه ، بل الحكم له وحده جل وعلا ، ولا حكم لغيره ، فالحلال ما احله الله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه والقضاء ما قضاه )) .
وقال رحمه الله : (( اي لا تشرك يا نبي الله ، ولا تشرك ايها المخاطب احدا في حكم الله جل وعلا )) .
يقول الله تعالى : { ان الحكم إلا لله امر ألا تعبدوا إلا اياه } .
ويقول : { ان الحكم إلا لله عليه توكلت } .
ويقول : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } .
ويقول : { ذلك بانه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير } .
ويقول : { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } .
ويقول : { افغير الله ابتغي حكما وهو الذي إليكم الكتاب مفصلا } .
ويقول تعالى : { افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون }.
ولا يجتمع إيمان بالله وتحاكم إلى غيره ، يقول عز وجل : { ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ، ويقول : { الم تر إلى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا } .
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسير هذه الآية : (( وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الامر لعدي ابن حاتم لما سئله عم قوله تعالى { اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله } انهم احلوا لهم ما حرم الله وحرموا عليهم ما احل الله فاتبعوهم في ذلك ، وان ذلك هو اتخاذهم اربابا )) .
ويقول في موضع اخر - رحمه الله - في اضواء البيان : (( اشار إلى انه لا يؤمن احد حتى يكفر بالطاغوت ، لقوله { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } ، ومفهوم الشرع ان من لم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعروة الوثقى ، فهو بمعزل عن الإيمان ، لان الإيمان بالله هو العروة الوثقى ، والإيمان بالطاغوت يستحيل اجتماعه مع الإيمان بالله أو ركن منه ، هذا هو صريح قوله تعالى { فمن يكفر بالطاغوت } . . )) .
يقول ابن القيم رحمه الله : (( ثم اخبر سبحانه ان من تحاكم او حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه ، والطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود او متبوع او مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله تعالى ورسوله ، او يعبدونه من دون الله ، او يتبعونه على غير بصيرة من الله )) . ( اهلام الموقعين الجزء الاول ) .