في باريس ولدى قوس النصر تستدير نحو اليمين وتتابع البوسترات المؤشرة
بالسهام ثم تصل قاعة مملوءة بالناس وتراها هناك معلقة على جدار تحميها طبقتان من الزجاج ضد الرصاص،
الجمهور صامت وصمته يوحي بالفراغ أكثر من الاستغراب، فالكل شاهدها في الاعلانات والبطاقات البريدية والعديد من المنتجات
الأخرى حتى تشعر بأنك لست بحاجة الى مشاهدتها، ولكن الحقيقة هي ليس القاء النظرة على الموناليزا بل رؤيتها، فهي هدف للسفرة السياحية، هناك الى جانبها ستة آلاف لوحة معروضة، ولكن كما يقول المؤرخ دونالد ساسون (أنها أشبه بالقيام بالحج).
وقد أمضى ساسون شهرين في مراقبة الناس وهم يشاهدون الموناليزا وعام ونصف في تأليف كتاب حول كيفية تحول اللوحة الشهيرة الى أشهر لوحة في العالم.
والبروفيسور ساسون استاذ التاريخ المقارن في جامعة لندن ولد في القاهرة ودرس في اوربا والولايات المتحدة، وهو الآن في باريس لكتابة تاريخ الرأسمالية وفي العام الماضي أصدر كتاباً بعنوان (الثقافة الاوربية) أمضى عشرة أعوام لمتابعة تطورات الأسواق الثقافية في اوربا منذ عام 1880.
كانت خطة ساسون ان يكتب بحثا قصيرا عن نموذج كيفية تحول حقيقة فنية في ثقافة عالية الى رمز فني، ثم تحول البحث عن (كيف اصبحت الموناليزا) في عام 2001 الى كتاب مستقل بعنوان (صناعة الرمز الثقافي).
وتبدو العملية وكأنها بدأت منذ فترة طويلة، في بداية القرن التاسع عشر قدر متحف اللوفر اللوحة بتسعين الف فرنك، أقل من لوحة رافائيل (حسناء جاردين) التي قدرت باربعمائة الف فرنك.
أن التقنيات الفنية والتركيب والغموض الذي رافق تاريخ اللوحة، (لماذا ليست هناك تخطيطات تمهيدية، لماذا احتفظ بها ليوناردو) كلها ساهمت في بناء لغز واحد هو ابتسامة موناليزا.
جيورجيو فساري المعاصر لليوناردو لم يرى اللوحة ولكنه في عام 1547 تحدث عن ابتسامة موناليزا بعبارة (أنها الوهية اكثر مما هي انسانية).
وتحتل الابتسامة مساحة أقل من الحاجبين وقد أثارت رقة الابتسامة والمساحة الصغيرة التي تحتلها استياء ستاندال وجورج صائد النموذج