سؤال:
ما هي النصيحة التي تقدم لمن فقدوا أموالهم في شركات الاستثمار ؟.
الجواب:
1- ينبغي على المسلم أن يسعى في استثمار أمواله في مجال مباح ، ليس بمحرم ، وأن يجتنب الشبهات .
2- أن يختار القوي الأمين القادر على إدارة المال وتنميته واستثماره الخبير بوجوه تقليبه .
3- أن يكون عقد المضاربة والاستثمار صحيحاً شرعاًَ ، خالياً من الشروط الباطلة والمحرمة ، فلا يجوز الدخول في عقد فيه ضمان رأس المال أو مبلغاً محدداً من الأرباح ويجب أن تكون نسبة الشريكين معلومة ... الخ .
4- على المضارب المستثمر أن يتقي الله تعالى في إدارته لأموال الناس ، فلا يأخذ ما لا قدرة له على إدارته ، ولا يقبل من أحد مالاً يعلم أنه سيُقصر في استثماره ، وعليه أن يلتزم بشروط المضاربة ، فإذا شرط لرب المال أن يستثمر المال في بلد معين ، فلا يجوز أن يخرج عنه ، وإذا شرط أن يستثمر له في مجال معين فلا يجوز أن يتعداه ، ولا يجوز أن يحتال على الناس فيوهمهم أنه يربح وهو لا يربح ، ومن الكبائر أن يعطي أرباح المساهمين القدامى من رؤوس أموال الجدد وليس عنده تجارة حقيقة ينمي فيها المال ، ولا يجوز أن يغري الناس بنسب أرباح عالية وهو يعلم يقيناًَ أنه لا توجد لديه تجارة تنتج مثل هذه النسبة من الأرباح .
5- وعليه أن يخاف الله في أموال الناس فيوفر لها من الطاقم الإداري والمالي وأصحاب الخبرات ، القادرين على تنمية هذه الأموال التي يستلمها الناس .
في حالة حدوث الخسارة :
- يجب على المضارب أن يكون صادقاً أميناً بإبلاغ الناس بحقيقة ما حصل .
- وإذا حصل منه تعد أو تفريط فعليه ضمان ما فرط فيه . ويتحمل هو الخسارة الناتجة من تضييعه وتفريطه .
- على رب المال إذا خسر أن يرضى بقضاء الله وقدره وأن يسعى إلى تخفيف المصيبة ومعالجة آثارها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من رأس المال بكل الطرق المباحة والمشروعة .
- إن الرضى بالقضاء والقدر يجنب من خسر ماله الانهيار النفسي والإحباط المعنوي ، فلا يصاب بالجنون أو بسكتة قلبية ، أو ينتحر كما يقع لبعض غير الصابرين ، وعليه أن يتذكر الحقائق التالية :
المصائب التي تصيب الإنسان في نفسه ، أو ماله أو في أسرته، أو في مجتمعه ليست شراً محضاً، يوجب الجزع بل هي خير للمؤمن إن أحسن تلقيها والتعامل معها ، فهي :
أ – خير له كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .
ب – لعل الله أراد به خيرا : روى البخاري (5645) عن أَبي هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ ) .
قال الحافظ : قَالَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ : مَعْنَاهُ يَبْتَلِيه بِالْمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا .
ج- ولعل الله يحبه : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّه قَوْمًا اِبْتَلاهُمْ , فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْر ، وَمَنْ جَزَع فَلَهُ الْجَزَع ) . وَرُوَاته ثِقَات .
وعن سَخْبَرَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ , وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ , وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ , وَظُلِمَ فَغَفَرَ , أُولَئِكَ لَهُمْ الأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن اهـ كلام الحافظ .
د- لقد أبان الله في كتابه طريقة تريح القلوب ، وتهدئ ثائرة النفس ، وذلك بالصبر والاسترجاع ، وقرن ذلك بالجزاء الأوفى من الله، والثواب الذي يرفع الله به درجة الصابر المحتسب ، وهو وعد من الله سينجزه سبحانه ، كما قال سبحانه : ( وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) البقرة/155-157 .
قال القرطبي :
وقد جعل الله عز وجل ، كلمات الاسترجاع ، وهي قول المصاب : إنا لله وإنا إليه راجعون ملجأ وملاذاً لذوي المصائب ، وعصمة للممتحنين من الشيطان ، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة، فيهيّج ما سكن ، ويظهر ما كمن لأنه إذا لجأ لهذه الكلمات، الجامعات لمعاني الخير والبركة، فإن قوله : إنا لله إقرار بالعبودية ، والملك واعتراف العبد لله، بما أصابه منه ، فالملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ، وقوله : إنا إليه راجعون إقرار بأن الله يهلكنا ، ثم يبعثنا ، فله الحكم في الأولى، وله المرجع في الأخرى , وفيه كذلك رجاء من عند الله بالثواب .
ومن بركة هذا الاسترجاع العاجلة ، بالإضافة إلى ما ذكر، ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة ، فيقول ما أمره الله به : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيراً منها ، إلا أخلف الله خيراً منها .
هـ - أنها كفارة للسيئات لما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا. رواه البخاري ومسلم .
د – أنّ المطلوب التماسك والصبر عند أول سماع الأنباء السيئة وورود خبر انهيار شركات الاستثمار مثلا وهذا يحمي من الجلطة والسكتة والانهيارات النفسية والعصبية ، بالإضافة إلى أنّ الصبر الذي يثاب عليه المرء هو ما كان عند بداية الصدمة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى . رواه البخاري (1238) ومسلم (926) .
قال النووي : مَعْنَاهُ الصَّبْر الْكَامِل الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الأَجْر الْجَزِيل لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّة فِيهِ اهـ .
و - إن العبد إذا أحسن التعامل مع المصيبة صارت في حقه نعمة ، إذ يكفر الله بها من خطاياه ، ويرفع بها درجته .
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
ز - على المسلم أن يوقن يأن ذهاب ماله ليس دليلا على إهانة الله له فقد أخبرنا الله أن الغنى والفقر مطيتا الابتلاء والامتحان . فقال سبحانه : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) الفجر / 16 .
ح - على المسلم أن يقتدي عند المصيبة بمن سبق من أهل البلاء من عباد الله الصالحين ، قال تعالى في تفريجه عن أيوب عليه السلام ( رحمة من عندنا ) أي رفعنا عنه شدته وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به ورأفة واحسانا ( وذكرى للعابدين ) أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه
وقد جاء للوليد بن عبد الملك شيخ من عبس كفيف البصر، ولما جلس عنده في عشية أحد أيام، سأله الوليد عن حاله ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد بت في ليلة من الليالي ، وما في عبس رجل أكثر مني مالاً، وخيلاً وإبلاً ، وولداً ولا أعزهم نفراً ، وأكثرهم جاهاً .
فطرقنا سيل ذهب بالأهل والولد والمال ، ولم يبق من ظعننا إلا غلام ولد حديثاً ، وبكر شرود وهو ولد الناقة الصغير , فاتجهت للصبي وحملته ، ثم لحقت بالبكر الذي ند ، ولما عجزت عن اللحاق به ، وضعت الصبي في الأرض ، وسرت وراء البكر ، فسمعت صراخ الصبي ، ولما رجعت إليه وجدت الذئب قد أكله ، فلحقت بالبعير ، ولما أمسكت به ، رمحني برجله على وجهي ، فذهب بصري ، وألقاني على قفاي , ولما أفقت إذا بي في المساء من أصحاب الثروة والمال والحلال ، والولد والجاه والمكانة بين القبائل ، قد أصبحت في الغداة ، صفر اليدين لا بصر في عينيّ ، ولا ولد ولا أهل ولا مال ، فحمدت الله على ذلك ، فقال الوليد : اذهبوا به إلى عروة بن الزبير ، ليعلم أن في الدنيا من هو أكثر منه بلاء ، وأشد تحملا وصبراً .
فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها صـبر الكـريم فإن ذلـك أحكم
وإذا ابتليت بكربة فالبس لها ثوب السـكوت فإن ذلك أسـلم
لا تشكونّ إلى العبـاد فإنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحـم
وكم من بلاء يكون نعمة على صاحبه ، فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض ، ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) الشورى / 27 0
كن عن همومك معــــرضا وكل الأمور إلى القضا
وأبشر بخير عاجـــــــل تنسى به ما قد مضـــى
فلرب أمر مسخــــــــط لك في عواقبه رضـــى
ولربما ضاق المضيـــــق ولربما اتسع الفضــــــا
الله يفعل ما يشــــــــاء فلا تكن معترضــــــــــا
الله عودك الجميـــــــل فقس على ما قد مضــى
ط- إن انهيار شركات الاستثمار لا يعني أنه لا يرجع إليه شيء من ماله بل ربما يعود إليه نصفه أو أكثر أو أقل ، وحتى لو خسر المال كله فليست تلك نهاية العالم ، ولا فقدان كل الأمل بل يمكن أن يرزقه الله مالاًَ آخر في المستقبل ويعوضه إذا صبر .
6- تجب التوبة إلى الله على كل من كذب بالمعلومات أو أوهم غيره بشيء غير حقيقي أو استعمل التلبيس والتدليس ، أو كان يأخذ مالاً من الناس لاستثماره بأمر معين ثم يخدعهم بوضعه في شركات الاستثمار المنهارة ويقسم الربح بينه وبينهم .
وكذلك من غامر بأموال الناس أو بمدخرات أخته أو أمه أو زوجته ولم يبين لها حقيقة ما سيفعله بمالها وكذلك من اقترض بالربا ليدخل في شركات الاستثمار هذه ، ولعل في انكشاف الحقائق دروساً عظيمة وعبراًَ بليغة تجب الاستفادة منها .
7- ينبغي على الناصحين والذين سبق وأن حذروا الناس من أمثال هذه المغامرات ، أن يعلموا أنه لا مجال للشماتة في مثل هذه الأحوال وأن عليهم السعي بكل وسيلة لتخفيف المصاب ، والتسلية عن الأحزان وتقديم أنواع المساندة للمتضررين .
8- إن الدين الإسلامي وأهله الصادقين المتمسكين به لا يتحملون بأي حال من الأحوال نتائج أي عمل من أعمال الكذب أو الغش أو التدليس أو الخيانة أو سوء التصرف أو المغامرة بالأموال على غير هدى والخبط العشوائي فيها وتبديدها في مجالات خاسرة أو تعريضها للنصب والاحتيال وإنما يتحمل كل مذنب ومفرط جريرة ما فعله هو وحده ولا يجوز أن يحمَّل الآخرون نتيجة طيشه ومسؤولية سوء تصرفه أو كذبه واحتياله قال الله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) وقال تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) وقال ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) وقال تعالى : ( كونوا قوامين بالقسط ) .
9- يجب سلوك السبل الشرعية عند حصول الخسائر فيقسم المال الباقي بعد الخسارة على أصحاب رأس المال فيكونون أسوة فيعطى كل منهم نسبة من المال الباقي بحسب نسبته من رأس المال الأصلي .
ولا يجوز أن يقوم سوق السماسرة المحرم بشراء الديون والأموال التي لم يتم تحصيلها بمبالغ أقل لأن ذلك يجمع بين ربا الفضل وربا النسيئة ، والربا من أكبر الكبائر .
10- ينبغي على المسلمين أن يتسع صدور بعضهم لبعض ، فلا مجال للسباب أو المشاتمة أو طلاق الزوجة أو العقوق وقطع الرحم أو الاعتداء على الآخرين .
وينبغي على المقتدرين من المسلمين المساعدة بما أمكن في تعويض أصحاب رأس المال من المساكين والضعفاء والأيتام والأرامل ، والعجائز ، وأصحاب الدخول المحدودة والذين باعوا بيوتهم ، وسياراتهم وقاموا بتصفية تجاراتهم لوضعها في الاستثمار الخاسر ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأموال الخيرية التي وضع بعضها ظلماً وعدواناً في هذه المضاربات بلا إذن من المتبرعين بها وليس وراءها أصوات تلح وتطالب بحقها .
وعلى المحامين المسلمين السعي في إعانة الضعفاء على تحصيل حقوقهم واحتساب الأجر في استنقاذ الأموال الخيرية ، وتبرئة الأبرياء وتقديم المشورة والنصح في الدين .
نسأل الله أن يخلف للمصابين وأن يعوضهم خيرا من عنده ويرزقهم الصبر على ما أصابهم وهو خير الرازقين .
الشيخ محمد صالح المنجد
ما هي النصيحة التي تقدم لمن فقدوا أموالهم في شركات الاستثمار ؟.
الجواب:
الحمد لله
1- ينبغي على المسلم أن يسعى في استثمار أمواله في مجال مباح ، ليس بمحرم ، وأن يجتنب الشبهات .
2- أن يختار القوي الأمين القادر على إدارة المال وتنميته واستثماره الخبير بوجوه تقليبه .
3- أن يكون عقد المضاربة والاستثمار صحيحاً شرعاًَ ، خالياً من الشروط الباطلة والمحرمة ، فلا يجوز الدخول في عقد فيه ضمان رأس المال أو مبلغاً محدداً من الأرباح ويجب أن تكون نسبة الشريكين معلومة ... الخ .
4- على المضارب المستثمر أن يتقي الله تعالى في إدارته لأموال الناس ، فلا يأخذ ما لا قدرة له على إدارته ، ولا يقبل من أحد مالاً يعلم أنه سيُقصر في استثماره ، وعليه أن يلتزم بشروط المضاربة ، فإذا شرط لرب المال أن يستثمر المال في بلد معين ، فلا يجوز أن يخرج عنه ، وإذا شرط أن يستثمر له في مجال معين فلا يجوز أن يتعداه ، ولا يجوز أن يحتال على الناس فيوهمهم أنه يربح وهو لا يربح ، ومن الكبائر أن يعطي أرباح المساهمين القدامى من رؤوس أموال الجدد وليس عنده تجارة حقيقة ينمي فيها المال ، ولا يجوز أن يغري الناس بنسب أرباح عالية وهو يعلم يقيناًَ أنه لا توجد لديه تجارة تنتج مثل هذه النسبة من الأرباح .
5- وعليه أن يخاف الله في أموال الناس فيوفر لها من الطاقم الإداري والمالي وأصحاب الخبرات ، القادرين على تنمية هذه الأموال التي يستلمها الناس .
في حالة حدوث الخسارة :
- يجب على المضارب أن يكون صادقاً أميناً بإبلاغ الناس بحقيقة ما حصل .
- وإذا حصل منه تعد أو تفريط فعليه ضمان ما فرط فيه . ويتحمل هو الخسارة الناتجة من تضييعه وتفريطه .
- على رب المال إذا خسر أن يرضى بقضاء الله وقدره وأن يسعى إلى تخفيف المصيبة ومعالجة آثارها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من رأس المال بكل الطرق المباحة والمشروعة .
- إن الرضى بالقضاء والقدر يجنب من خسر ماله الانهيار النفسي والإحباط المعنوي ، فلا يصاب بالجنون أو بسكتة قلبية ، أو ينتحر كما يقع لبعض غير الصابرين ، وعليه أن يتذكر الحقائق التالية :
المصائب التي تصيب الإنسان في نفسه ، أو ماله أو في أسرته، أو في مجتمعه ليست شراً محضاً، يوجب الجزع بل هي خير للمؤمن إن أحسن تلقيها والتعامل معها ، فهي :
أ – خير له كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .
ب – لعل الله أراد به خيرا : روى البخاري (5645) عن أَبي هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ ) .
قال الحافظ : قَالَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ : مَعْنَاهُ يَبْتَلِيه بِالْمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا .
ج- ولعل الله يحبه : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّه قَوْمًا اِبْتَلاهُمْ , فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْر ، وَمَنْ جَزَع فَلَهُ الْجَزَع ) . وَرُوَاته ثِقَات .
وعن سَخْبَرَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ , وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ , وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ , وَظُلِمَ فَغَفَرَ , أُولَئِكَ لَهُمْ الأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن اهـ كلام الحافظ .
د- لقد أبان الله في كتابه طريقة تريح القلوب ، وتهدئ ثائرة النفس ، وذلك بالصبر والاسترجاع ، وقرن ذلك بالجزاء الأوفى من الله، والثواب الذي يرفع الله به درجة الصابر المحتسب ، وهو وعد من الله سينجزه سبحانه ، كما قال سبحانه : ( وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) البقرة/155-157 .
قال القرطبي :
وقد جعل الله عز وجل ، كلمات الاسترجاع ، وهي قول المصاب : إنا لله وإنا إليه راجعون ملجأ وملاذاً لذوي المصائب ، وعصمة للممتحنين من الشيطان ، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة، فيهيّج ما سكن ، ويظهر ما كمن لأنه إذا لجأ لهذه الكلمات، الجامعات لمعاني الخير والبركة، فإن قوله : إنا لله إقرار بالعبودية ، والملك واعتراف العبد لله، بما أصابه منه ، فالملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ، وقوله : إنا إليه راجعون إقرار بأن الله يهلكنا ، ثم يبعثنا ، فله الحكم في الأولى، وله المرجع في الأخرى , وفيه كذلك رجاء من عند الله بالثواب .
ومن بركة هذا الاسترجاع العاجلة ، بالإضافة إلى ما ذكر، ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة ، فيقول ما أمره الله به : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيراً منها ، إلا أخلف الله خيراً منها .
هـ - أنها كفارة للسيئات لما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا. رواه البخاري ومسلم .
د – أنّ المطلوب التماسك والصبر عند أول سماع الأنباء السيئة وورود خبر انهيار شركات الاستثمار مثلا وهذا يحمي من الجلطة والسكتة والانهيارات النفسية والعصبية ، بالإضافة إلى أنّ الصبر الذي يثاب عليه المرء هو ما كان عند بداية الصدمة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى . رواه البخاري (1238) ومسلم (926) .
قال النووي : مَعْنَاهُ الصَّبْر الْكَامِل الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الأَجْر الْجَزِيل لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّة فِيهِ اهـ .
و - إن العبد إذا أحسن التعامل مع المصيبة صارت في حقه نعمة ، إذ يكفر الله بها من خطاياه ، ويرفع بها درجته .
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
ز - على المسلم أن يوقن يأن ذهاب ماله ليس دليلا على إهانة الله له فقد أخبرنا الله أن الغنى والفقر مطيتا الابتلاء والامتحان . فقال سبحانه : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) الفجر / 16 .
ح - على المسلم أن يقتدي عند المصيبة بمن سبق من أهل البلاء من عباد الله الصالحين ، قال تعالى في تفريجه عن أيوب عليه السلام ( رحمة من عندنا ) أي رفعنا عنه شدته وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به ورأفة واحسانا ( وذكرى للعابدين ) أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه
وقد جاء للوليد بن عبد الملك شيخ من عبس كفيف البصر، ولما جلس عنده في عشية أحد أيام، سأله الوليد عن حاله ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد بت في ليلة من الليالي ، وما في عبس رجل أكثر مني مالاً، وخيلاً وإبلاً ، وولداً ولا أعزهم نفراً ، وأكثرهم جاهاً .
فطرقنا سيل ذهب بالأهل والولد والمال ، ولم يبق من ظعننا إلا غلام ولد حديثاً ، وبكر شرود وهو ولد الناقة الصغير , فاتجهت للصبي وحملته ، ثم لحقت بالبكر الذي ند ، ولما عجزت عن اللحاق به ، وضعت الصبي في الأرض ، وسرت وراء البكر ، فسمعت صراخ الصبي ، ولما رجعت إليه وجدت الذئب قد أكله ، فلحقت بالبعير ، ولما أمسكت به ، رمحني برجله على وجهي ، فذهب بصري ، وألقاني على قفاي , ولما أفقت إذا بي في المساء من أصحاب الثروة والمال والحلال ، والولد والجاه والمكانة بين القبائل ، قد أصبحت في الغداة ، صفر اليدين لا بصر في عينيّ ، ولا ولد ولا أهل ولا مال ، فحمدت الله على ذلك ، فقال الوليد : اذهبوا به إلى عروة بن الزبير ، ليعلم أن في الدنيا من هو أكثر منه بلاء ، وأشد تحملا وصبراً .
فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها صـبر الكـريم فإن ذلـك أحكم
وإذا ابتليت بكربة فالبس لها ثوب السـكوت فإن ذلك أسـلم
لا تشكونّ إلى العبـاد فإنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحـم
وكم من بلاء يكون نعمة على صاحبه ، فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض ، ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) الشورى / 27 0
كن عن همومك معــــرضا وكل الأمور إلى القضا
وأبشر بخير عاجـــــــل تنسى به ما قد مضـــى
فلرب أمر مسخــــــــط لك في عواقبه رضـــى
ولربما ضاق المضيـــــق ولربما اتسع الفضــــــا
الله يفعل ما يشــــــــاء فلا تكن معترضــــــــــا
الله عودك الجميـــــــل فقس على ما قد مضــى
ط- إن انهيار شركات الاستثمار لا يعني أنه لا يرجع إليه شيء من ماله بل ربما يعود إليه نصفه أو أكثر أو أقل ، وحتى لو خسر المال كله فليست تلك نهاية العالم ، ولا فقدان كل الأمل بل يمكن أن يرزقه الله مالاًَ آخر في المستقبل ويعوضه إذا صبر .
6- تجب التوبة إلى الله على كل من كذب بالمعلومات أو أوهم غيره بشيء غير حقيقي أو استعمل التلبيس والتدليس ، أو كان يأخذ مالاً من الناس لاستثماره بأمر معين ثم يخدعهم بوضعه في شركات الاستثمار المنهارة ويقسم الربح بينه وبينهم .
وكذلك من غامر بأموال الناس أو بمدخرات أخته أو أمه أو زوجته ولم يبين لها حقيقة ما سيفعله بمالها وكذلك من اقترض بالربا ليدخل في شركات الاستثمار هذه ، ولعل في انكشاف الحقائق دروساً عظيمة وعبراًَ بليغة تجب الاستفادة منها .
7- ينبغي على الناصحين والذين سبق وأن حذروا الناس من أمثال هذه المغامرات ، أن يعلموا أنه لا مجال للشماتة في مثل هذه الأحوال وأن عليهم السعي بكل وسيلة لتخفيف المصاب ، والتسلية عن الأحزان وتقديم أنواع المساندة للمتضررين .
8- إن الدين الإسلامي وأهله الصادقين المتمسكين به لا يتحملون بأي حال من الأحوال نتائج أي عمل من أعمال الكذب أو الغش أو التدليس أو الخيانة أو سوء التصرف أو المغامرة بالأموال على غير هدى والخبط العشوائي فيها وتبديدها في مجالات خاسرة أو تعريضها للنصب والاحتيال وإنما يتحمل كل مذنب ومفرط جريرة ما فعله هو وحده ولا يجوز أن يحمَّل الآخرون نتيجة طيشه ومسؤولية سوء تصرفه أو كذبه واحتياله قال الله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) وقال تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) وقال ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) وقال تعالى : ( كونوا قوامين بالقسط ) .
9- يجب سلوك السبل الشرعية عند حصول الخسائر فيقسم المال الباقي بعد الخسارة على أصحاب رأس المال فيكونون أسوة فيعطى كل منهم نسبة من المال الباقي بحسب نسبته من رأس المال الأصلي .
ولا يجوز أن يقوم سوق السماسرة المحرم بشراء الديون والأموال التي لم يتم تحصيلها بمبالغ أقل لأن ذلك يجمع بين ربا الفضل وربا النسيئة ، والربا من أكبر الكبائر .
10- ينبغي على المسلمين أن يتسع صدور بعضهم لبعض ، فلا مجال للسباب أو المشاتمة أو طلاق الزوجة أو العقوق وقطع الرحم أو الاعتداء على الآخرين .
وينبغي على المقتدرين من المسلمين المساعدة بما أمكن في تعويض أصحاب رأس المال من المساكين والضعفاء والأيتام والأرامل ، والعجائز ، وأصحاب الدخول المحدودة والذين باعوا بيوتهم ، وسياراتهم وقاموا بتصفية تجاراتهم لوضعها في الاستثمار الخاسر ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأموال الخيرية التي وضع بعضها ظلماً وعدواناً في هذه المضاربات بلا إذن من المتبرعين بها وليس وراءها أصوات تلح وتطالب بحقها .
وعلى المحامين المسلمين السعي في إعانة الضعفاء على تحصيل حقوقهم واحتساب الأجر في استنقاذ الأموال الخيرية ، وتبرئة الأبرياء وتقديم المشورة والنصح في الدين .
نسأل الله أن يخلف للمصابين وأن يعوضهم خيرا من عنده ويرزقهم الصبر على ما أصابهم وهو خير الرازقين .
الشيخ محمد صالح المنجد